كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإن قيل: كيف أثبت الشرى في قوله وشروه واشتراه ولم ينعقد عليه؟ والجواب: إن الشراء هو المماثلة فلمّا ماثله بمال من عنده جاز أن يقال: اشتراه، على التوسع، كقوله تعالى: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الآية، فلمّا مرّ قطفير وأتى به منزله قال لامرأته واسمها راحيل بنت رعابيل، قاله محمد بن إسحاق بن يسار.
قال الثعلبي: وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن منبه، قال: حدثنا أبو حامد المستملي، حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: اسم امرأة العزيز التي ضمّت يوسف زليخا بنت موسى.
{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} منزله ومقامه، قتادة وابن جريج: منزلته: {عسى أَن يَنفَعَنَا} فيكفينا إذا بلغ وفهم الأُمور وبعض ما نحن نستقبله من أُمورنا.
{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي نتبنّاه، قال ابن إسحاق: كان قطفير لا يأتي النساء، وكانت امرأته راحيلحسناء ناعمة طاعمة في ملك ودنيا.
قال الثعلبي: أخبرنا أبو بكر الجوزقي، أخبرنا أبو العباس الدغولي، حدثنا علي بن الحسن الهلالي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي عبيد عن عبد الله قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس في يوسف فقال: أكرمي مثواه، والمرأة التي أتت موسى فقالت لأبيها: يا أبت استأجره، وأبو بكر حين استخلف عمر.
{وكذلك} أي وكما أنقذ يوسف من أيدي إخوته وقد هموا بقتله فأخرجناه من الجُبّ بعد أن ألقي فيه، فصيرناه إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة عند عزيز مصر: {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} يعني أرض مصر، فجعلناه على خزائنها، قال أهل الكتاب: لما تمّت ليوسف عليه السلام ثلاثون سنة، استوزره فرعون.
{وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} أي ولكي نعلّمه من عبارة الرؤيا، مكنّا له في الأرض: {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} اختلفوا في هذه الكناية، فقال قوم: هي راجعة إلى الله عزّ وجلّ، وتقدير الكلام: لا يغلب الله شيء، بل هو الغالب على أمره يفعل ما يشاء، ويعلم ما يريد، وقال آخرون: راجعة إلى يوسف، ومعنى الآية: والله مستول على أمر يوسف يسوسه ويحوطه ويدبّر أمره، ولا يكله إلى غيره.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ما الله صانع بيوسف، وما إليه يوسف من أمره صائر، وهم الذين زهدوا فيه وباعوه بثمن بخس وفعلوا به ما فعلوا.
قالت الحكماء في هذه: والله غالب على أمره حيث أمر يعقوب يوسف (عليهما السلام) أن لا يقصّ رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حين قصّ، ثم أراد يعقوب أن لا يكيدوا فغلب أمره حتى كادوا، ثم أراد أخوة يوسف قتله فغلب أمره حتى لم يقتلوه، ثم أرادوا أن يلقوه في الجب ليلتقطه بعض السيارة فيندرس اسمه، فغلب أمره حتى لم يندرس اسمه وصار مذكورًا مشهورًا.
ثم باعوه ليكون مملوكًا فغلب أمره حتى صار ملكًا والعبيد بين يديه، ثم أرادوا أن يخلوا لهم وجه أبيهم، فغلب أمره حتى ضاق عليهم قلب أبيهم، ثم تدبّروا أن يكونوا من بعده قومًا صالحين تائبين، فغلب أمره حتى نسوا الذنب وأصروا حتى أقروا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد أربعين سنة، وقالوا: وإن كنا خاطئين، وقالوا لأبيهم: إنا كنا خاطئين.
ثم أرادوا أن يغرّوا باسم القميص والدم والبكاء، فغلب أمره حتى لم يخدع، وقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} ثم احتالوا أن تذهب محبته من قبل أبيه، فغلب أمره حتى ازدادت المحبة والشوق في قلبه، ثم تدبّر يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي، فغلب أمره حتى نسي الساقي في ذكره، ولبث في السجن بضع سنين، ثم احتالت امرأة العزيز أن تترك المراودة عن نفسها حتى قالت: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا} الآية، فغلب أمره حتى شهد الشاهد من أهلها.
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي منتهى شبابه وشدّة قوته، قال مجاهد: ثلاثًا وثلاثين سنة، الضحاك: عشرين سنة، وروى ابن عباس أنه ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة، وقيل: إلى أربعين، وقيل: إلى ستين، والأشُدّ: جمع شد، مثل قدّ، أقُدّ، وشرّ وأشُرّ، وضر وأضرّ، قال حميد:
وقد أتى لو تعبت العواذل ** بعد الاشل أربع كوامل

قال الشاعر:
هل غير أن كثر الأشل وأهلكت ** حرب الملوك أكاثر الأموال

{آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قال مجاهد: العقل والفهم والعلم قبل النبوة، وقال أهل المعاني: يعني إصابة في القول، وعلمًا بتأويل الرؤيا وموارد الأُمور ومصادرها.
{وكذلك نَجْزِي المحسنين} قال ابن عباس: المؤمنين، وعنه أيضًا: المهتدين، وقال الصدوق عن الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف، وقال محمد بن كعب: هذا وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن، فإن المراد به محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: كما فعلت بيوسف بعدما لقي من إخوته ما لقي وقاسى من البلاء ما قاسى فمكّنته في الأرض، ووطّأت له في البلاد، وآتيته الحكم والعلم فكذلك أفعل بك، أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة، وأُمكّن لك في الأرض، وأزيدك الحكم والعلم؛ لأن ذلك جزائي لأهل الإحسان في أمري ونهيي.
{وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا} يعني امرأة العزيز، وطلبت منه أن يواقعها: {وَغَلَّقَتِ الأبواب} وكانت سبعة.
{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}، اختلف القراء فيه، فقرأ ابن عباس والسلمي وأبو وائل وقتادة: {هِئتُ لك} بكسر الهاء وضم التاء مهموزًا، بمعنى تهيأتُ لك، وأنكرها أبو عمرو، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: سمعت أبا عمرو وسئل عن قراءة من قرأ: {هِئتُ لك} بكسر الهاء وهمز الياء فقال أبو عمرو: باطل، جعلها من تهيأت، اذهب واستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن، هل تعرف أحدًا يقول هذا؟
وقال الكسائي أيضًا: لم يُحكَ هئت عن العرب، وقال عكرمة: هِئتُ لك: أي زيّنت لك وحسنت وهي قراءة غير مرضية، وقرأ نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر وعبدالله بن أبي إسحاق: {هيت لك} بفتح الهاء وكسر التاء، وقرأ يحيى بن وثاب: {هِيتُ} بكسر الهاء وضم التاء، وقرأ ابن كثير بفتح الهاء وضم التاء، وأنشد طرفة:
ليس قومي بالأبعدين إذا ** ما قال داع من العشيرة هَيتَ

هم يجيبون إذا هم سراعا ** كالأبابيل لا يغادر بيت

وقرأ أهل المدينة والشام بكسر الهاء وفتح التاء، وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم واللغة المعروفة عند العرب، الشعبي عن عبد الله بن مسعود: أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم هَيتَ لك.
وروى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ {هيت لك} فقيل له: هيت لك، فقال ابن مسعود: إنما نقرأها كما تعلّمناها وسمعناها جميعًا هلُمَّ وأقبل وادنُ، قال الشاعر يخاطب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
أَبلغْ أمير المؤمنيـ **-ن أخا العراق إذا أتيتا

أن العراق وأهله ** سلم إليك فهيت هيتا

قال السّدّي: هي بالقبطيّة هلمّ لك، وقال الحسين: هيت لك كلمة بالسريانية أي عليك، قال أبو عُبيد: كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى الحجاز معناها تعالَ، قال أبو عبيد: سألتُ شيخًا عالمًا من حوران فذكرَ أنها لغُتهم، وكذا قال عكرمة، وقال مجاهد وغيره: هي لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وهي كلمة حَثّ وإقبال على الشيء، وأصلهما من الدعوة والصياح تقول العرب: هيّتَ فُلان بفلان إذا دعاهُ وصاحَ به، قال الشاعر:
قَدْ رابني أنّ الكريّ أسكتا ** لو كان مَعْنيًّا بها لهَيَّتا

أي صاح به، والكريّ المكاريّ.
وقال أُستاذنا أبو القاسم بن حبيب: رأيتُ في بعض التفاسير هيتَ لك يقول: هل لك رغبة في حُسني وجمالي، وذكر أبو عبيدة أن العرب لاتُثنّي هَيتَ ولا تجمع ولا تؤنّث، وإنّها بصورة واحدة في كلّ حال وإنّما تتميّز بما بَعدها وبما قبلها.
قال يوسف عليه السلام عندَ ذلك: {مَعَاذَ الله} أعتصمُ وأستجيرُ بالله ممّا دعوتِني إليه وهو مصدر تقديره: عياذًا بالله.
{إِنَّهُ ربي} يعني إنّ زَوجكِ قطفير سيديّ،: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي منزلتي، وعلى هذا أكثر المفسّرين، قال بعضهم: إنّها مردودة الى الله: {أَحْسَنَ مَثْوَايَ} أي آواني ومن بلاء الحب عافاني.
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} يعني إن فعلتُ، وأْتَمنني هذا فخنتُه في أهلهِ بعدما أكرمني وأْتمَنني وأحسنَ مثواي فأنا ظالم ولا يُفلح الظالمون، وقيل الزناة.
{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} يعني الهَمُّ بالشيء: حَديث المرء نفسَهُ به، ولمّا يفعل ذلك. يقول الشاعر:
هممتُ وَلمْ أفعلْ وكِدتُ وليتني ** تركتُ على عثمان تبكي حَلائلهُ

فأما ما كان من همّ يوسف عليه السلام بالمرأة وهمتها بهِ، فإنّ أهل العلم (اختلفوا) في ذلك، فروى سفيان بن عُيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: سَمِعتُ ابن عباس سُئِلَ: ما بلغَ من همّ يوسف قال: حَلَّ الهميان وجلس منها مجلس المُجامع.
وروى ابن جريح عن ابن أبي عطية، قال: سألتُ ابن عباس-رضي الله عنه-: ما بلغَ من همّ يوسف، قال: استلقتْ له على قفاها وقعد بين رجليها لينزع ثيابَهُ.
سعيد بن جُبير: أطلق تكة سراويله، مُجاهد: حَلَ السراويل حَتّى بلغَ الثفن، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته.
الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بيده إلى جيد يوسف، وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتّى جمع بينهما.
قال السَديّ وابن اسحاق: لمّا أرادت امرأة العزيز مُراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر لهُ محاسن نفسه وتُشوّقه إلى نفسها فقالت له: يا يوسف ما أحسن شعرك قال: هو أوّل ما ينتثر من جسدي، قالت: يا يوسف ما أحسنَ عينك قال: هي أوّل ما تسيلُ إلى الأرض من جسدي، قالت: ما أحسن وجهك قال: هو للتُراب يأكله، فلم تزل تُطيعه مرّة وتخيفه أُخرى وتدعوه إلى اللذّة، وهو شاب مستقبل بجد من شبق الشباب ما يجد الرجل، وهي حسناء جميلة حتى لانَ لها ممّا يرى من كلفها به ولما يتخوف منها حتى خليا في بعض البيوت وهمَّ بها، فهذه أقاويل المفسّرين من السلف الصالحين.
وقالت جماعة من المتأخرين: لا يليق هذا بالأنبياء، فأوّلوا الآية بضروب من التأويل، وقال بعضهم: وهمَّ بالفرار منها، وهذا لا يصحّ لأنّ الفرار مذكور وليس له في الآية ذكر، وقيل: هَمَّ بضربها ودفعها، وقيل: هَمَّ بمخاصمتها ومرافعتها إلى زوجها، وقيل: وهَمَّ بها هو كناية عن غير مذكور، وقيل: تَمَّ الكلام عند قوله: ولقد همّت به ثمّ ابتدأ الخبر عن يوسف وقال: وهمَّ بها.
{لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: على التقديم والتأخير تقديرها: لولا أن رأى برهان ربّه لهمَّ بها ولكنّه رأى البرهان فلم يهمّ كقوله: {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان} [النساء: 83]
وهذا فاسدٌ عند أهلِ اللغة لأنّ العرب لا تُقدّم جواب (لولا) قبلها، لا يقول: لقد قمت لولا زيد، وهو يُريد، لولا زيد لقمتُ، جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: همّت بيوسف أن يفترشها وهمّ بها يوسف يعني تمنّاها أن تكون له زوجة.
وهذه التأويلات التي حكيناها كلها غير قوّية ولا مُرضية لمخالفتها أقوال القُدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم التأويل، وهم قد أخذوا عن الذين شهدوا التنزيل.
وكما روي في الخبر الصحيح أنّ يوسف لما دخل على الملك وأقرّت المرأة، وقال يوسف: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} قال له جبرئيل عليه السلام: ولا حين هَمَمت بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك: {وَمَا أُبَرِّئ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي}.
وأما أهل الحقائق فإنّهم قالوا في وجه هذه الآية: إنّ الهمّ همّان: همٌّ مُقيمٌ (ثابت) وهو إذا كان مع عزيمة وعقد ونيّة ورضى مثل همّ امرأة العزيز فالعهد مأخوذ.
وهمٌّ عارض وارد وهو الخطرة والفكرة وحديث النفس من غير اختيار ولا عزيمة مثل همّ يوسف عليه السلام، والعهد غير مأخوذ ما لم يتكلّم به أو يفعله، يدلّ عليه ما روي عن ابن (المبارك) قال: قلتُ لسفيان: أيؤخذ العهد بالهمّة؟ قال: إذا كان عزمًا أُخذ بها.
وروي عن أبي هُريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عزّ وجل: إذا همّ عبدي بالحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، وإن عملها كتبتها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإذا هَمَّ عبدي بالسيّئة ولم يعملها لم أكتبها عليه، فإنْ عملها كتبتها عليه سيّئة واحدة، فإنْ تركها من أجلي كتبتها له حسنة».
والقول بإثبات مثل هذه: الزلاّت والصغائر على الأنبياء عليهم السلام غير محظور لضرب من الحكمة:
أحدها: ليكونوا من الله تعالى على وجل إذا ذكروها فيجدّون في طاعته إشفاقًا منها ولا يتّكلون على سعة رحمة الله.
والثاني: ليُعرّفهم موقع نعمته وامتنانه عليهم بصرفه عنهم.
والثالث: ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله وترك اليأس من عفوه وفضله.
وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد إلاّ يلقى الله عزّ وجل قد هَمّ بخطيئة أو عملها إلاّ يحيى بن زكريا فإنّه لم يهم ولم يعملها».
وعن مصعب بن عبدالله قال: حدّثني مصعب بن عثمان قال: كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهًا، فدخلت عليه امرأة تستفتيه: (فتأمنته) بنفسه فامتنع عليها وذكّرها، فقالت له: إن لم تفعل لأشهّرنَّ بك ولأصيحنَّ بك، قال: فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف النبي عليه السلام، فقال له: أنت يوسف؟ قال: أنا يوسف النبي هممتُ وأنت سُليمان الذي لم تَهمّ.
وأمّا البرهان الذي رآه يوسف عليه السلام فإنّ العلماء اختلفوا فيه، فأخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن أبي العباس الأصمّ عن الحسن بن علي، عن الحسين بن عطية عن إسرائيل عن أبي حصين عن سعيد عن ابن عباس: {لولا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} قال: مثل له يعقوب فضرب يده في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وقال الحسن وسعيد بن جُبير وحميد بن عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن سيرين وأبو صالح وشمر بن عطية والضحّاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضًا على إصبعه.
وقال ابن جبير: فكل ولد يعقوب ولِدَ له اثنا عشر ولدًا إلاّ يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولدًا من أجل نقص من شهوته حين رأى صورة أبيه فاستحياهُ.
قُتادة: رأى صورة يعقوب فقال: يا يوسف تعمل عمل السُّفهاء وأنت مكتوبٌ من الأنبياء؟ ابن أبي مليكه: عن ابن عباس قال: نودي: يا يوسف أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير فلا ريش له؟ السدّي: نودي يا يوسف تواقعها؟ إنّما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يُطلق، ومثلُكَ إنْ واقعتها مثل الطير إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه، ومثلك إنْ واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه، فلا يستطع أن يدفع عنه نفسه.
أبو مردود عن محمّد بن كعب القرضي: قال: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ فرأى كتابًا في حائط البيت: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].